سورة الرعد - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}
{والذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله} مبتدأ. و{أُوْلَئِكَ لَهُمْ عقبى الدار} خبره كقوله: والذين ينقضون عهد الله أولئك لهم اللعنة. ويجوز أن يكون صفة لأولي الألباب، والأوّل أوجه. وعهد الله: ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172] {وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق} ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه: من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد، تعميم بعد تخصيص {مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} من الأرحام والقرابات، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] بالإحسان إليهم على حسب الطاقة، ونصرتهم، والذب عنهم، والشفقة عليهم، والنصيحة لهم، وطرح التفرقة بين أنفسهم وبينهم، وإفشاء السلام عليهم، وعيادة مرضاهم، وشهود جنائزهم. ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر، وكل ما تعلق منهم بسبب، حتى الهرة والدجاجة.
وعن الفضيل بن عياض أنّ جماعة دخلوا عليه بمكة فقال: من أين أنتم؟ قالوا: من أهل خراسان. قال: اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم، واعلموا أنّ العبد لو أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي يخشون وعيده كله {وَيَخَافُونَ} خصوصاً {سُوء الحِسَابِ} فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا {صَبَرُواْ} مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكليف {ابتغاء وَجْهِ} الله، لا ليقال: ما أصبره وأحمله للنوازل، وأوقره عند الزلازل، ولا لئلا يعاب بالجزع ولئلا يشمت به الأعداء كقوله:
وَتَجَلُّدِي لِلشّامِتِينَ أُرِيِهمُ ***
ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا مردّ فيه للفائت، كقوله:
مَا أنْ جَزعْتُ وَلاَ هَلَعْ *** تُ وَلاَ يَرُدُّ بُكاي زَنْدَا
وكل عمل له وجوه يعمل عليها، فعلى المؤمن أن ينوي منها ما به كان حسناً عند الله، وإلا لم يستحق به ثواباً، وكان فعلا كلا فعل {مّمّا رزقناهم} من الحلال؛ لأنّ الحرام لا يكون رزقاً ولا يسند إلى الله {سِرّا وَعَلاَنِيَةً} يتناول النوافل، لأنها في السر أفضل والفرائض، لوجوب المجاهرة بها نفياً للتهمة {وَيَدْرَءونَ بالحسنة السيئة} ويدفعونها عن ابن عباس: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيء غيرهم.
وعن الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا.
وعن ابن كيسان: إذا أذنبوا تابوا. وقيل: إذا رأوا منكراً أمروا بتغييره {عقبى الدار} عاقبة الدنيا وهي الجنة، لأنها التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها و{جنات عَدْنٍ} بدل من عقبى الدار. وقرئ {فنعم} بفتح النون. والأصل: نعم فمن كسر النون فلنقل كسرة العين إليها، ومن فتح فقد سكن العين ولم ينقل وقرئ: {يدخلونها} على البناء للمفعول.
وقرأ ابن أبي عبلة {صلُح} بضم اللام، والفتح أفصح، أعلم أنّ الأنساب لا تنفع إذا تجردت من الأعمال الصالحة. وآباؤهم جمع أبوي كل واحد منهم، فكأنه قيل من آبائهم وأمهاتهم {سلام عَلَيْكُمُ} في موضع الحال، لأنّ المعنى: قائلين سلام عليكم أو مسلمين، فإن قلت: بم تعلق قوله {بِمَا صَبَرْتُمْ}؟ قلت: بمحذوف تقديره: هذا بما صبرتم، يعنون هذا الثواب بسبب صبركم، أو بدل ما احتملتم من مشاق الصبر ومتاعبه هذه الملاذ والنعم والمعنى: لئن تعبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعة، كقوله:
بِمَا قَدْ أرَى فِيهَا أوَانِسَ بُدَّنَا ***
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول «السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» ويجوز أن يتعلق بسلام، أي نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم.


{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}
{مِن بَعْدِ ميثاقه} من بعد ما أوثقوه به من الاعتراف والقبول {سُوء الدار} يحتمل أن يراد سوء عاقبة الدنيا، لأنه في مقابلة عقبى الدار، ويجوز أن يراد بالدار جهنم، وبسوئها عذابها.


{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}
{الله يَبْسُطُ الرزق} أي الله وحده هو يبسط الرزق ويقدره دون غيره، وهو الذي بسط رزق أهل مكة ووسعه عليهم {وَفَرِحُواْ} بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر وأشر لافرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم، ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة، وخفي عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئاً نزرا يتمتع به كعجالة الراكب، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو نحو ذلك.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9